-A +A
عبدالله بن فخري الأنصاري
هناك إجماع على أن لأي دولة الحق في تقييد بعض الحريات الشخصية للدفاع عن نفسها وحماية أمن مواطنيها ومؤسساتها في مواجهة الأخطار التي تهدد أمنها الوطني كتلك التي يشكلها الإرهاب. فإذا كان القانون أو النظام الحالي غير كاف لتمكين المجتمع من حماية نفسه ضد أولئك الذين يحاولون الإطاحة بالمؤسسات الشرعية للدولة، والعبث بأمن الوطن ومقدراته، فيجب على الدولة أن تسعى لتعديل القانون أو النظام لجعله كافيا لأداء هذه المهمة. وتختلف الدول في الدرجة التي تسعى من خلالها إلى تعديل أنظمتها لمواجهة أي تهديد لأمنها القومي. فبينما اعتمدت عدة دول صلاحيات واسعة، قامت أخرى بإجراء التغييرات المطلوبة، وفي حالات الضرورة القصوى للدفاع عن أمنها ضد تهديدات آنية ومباشرة للدولة. ويمكن افتراض أن معظم الدول تعارض التدابير الاستثنائية التي لا داعي لها، أو المفرطة، والتي لا تحترم أدنى مبادئ العدل والحرية والحقوق الأساسية للمواطنين.
ويتركز أي نقاش حول التدابير الاستثنائية حول العلاقة بين الدولة والمواطن وضمان أن حقوق المواطنين لا يتم هدرها من قبل الدولة. وهناك الكثير من النقاش حول المدى الذي ينبغي فيه السماح بسن التدابير الاستثنائية للخروج عن القوانين والأنظمة الطبيعية. فالتدابير الاستثنائية لها ما يبررها بالقدر الذي يلزم لدحر هذا الخطر. فهناك فرق بين القتل أو نهب البنوك والتي تشكل تهديدا مباشرا للقانون والنظام في الدولة، والتهديدات الأخرى مثل التفجيرات والاغتيالات، أو غيرها من الأعمال الإرهابية التي تهدد الأمن الوطني. ويقع العبء على الدولة ممثلة بالأجهزة الحكومية في تقديم الأدلة والبراهين بما لا يدع مجالا للشك من أن التهديدات الحالية تشكل الوضع الذي يبرر اتخاذ التدابير الأمنية التي قد يكون لها الأثر في تقييد الحريات الشخصية. وتبنى معظم المبررات لاتخاذ تدابير استثنائية على مسألتين رئيسيتين: الأولى أن القوانين والأنظمة الحالية غير كافية لمواجهة هذا النوع من التهديد، والثانية أن حالة الأمة تقتضي فورا سن تدابير خاصة لمواجهة هذه التهديدات. وغالبا ما يكون هناك اتفاق على الحاجة إلى اتخاذ تدابير لمكافحة التهديد القائم، رغم أنه قد يكون هناك اختلاف على التدابير المحددة التي ينبغي اتخاذها. ولا ينكر أحد حق المجتمع في الدفاع عن نفسه باستخدام تدابير أمنية استثنائية، ولكن يجب أن تكون تلك التدابير هي ملاذه الأخير. إذ لا أعتقد أن أي طرف سيعارض استخدام هذه التدابير إذا تصرفت الدولة بمسؤولية سعيا إلى حماية الحريات وحياة الشعب والمجتمع. لكن لا شك أن مصداقية الدولة سوف تتعرض للخطر إذا لجأت إلى سن التشريعات والتدابير الاستثنائية دون تطبيق عملي سليم لإجراءات وأنظمة في حال كون الدولة طبيعية. فلا ينبغي أن تمرر الدولة في الأوضاع الطبيعية قوانين وأنظمة استثنائية، هذه الدولة ستفقد الثقة والدعم من الرأي العام والذي تحتاج إليه لحمل سياساتها للتعامل مع هذه التهديدات الأمنية. فيجب ألا يسمح للتدابير الاستثنائية بأن تصبح القاعدة وأساس النظام في أي مجتمع مدني. صحيح أن التهديدات الأمنية قد تتطلب تدابير استثنائية. بيد أن أي تدابير تحتاج إلى دراسة متأنية وخاصة في ما يتعلق بتأثيرها المحتمل على الحريات المدنية وحقوق الإنسان. ويقع على عاتق الدولة رصد التوازن الفعال بين الأمن والحقوق المدنية وضمان الشفافية الملائمة وآليات المساءلة والضمانات التي توضع جنبا إلى جنب مع الجهود المبذولة في مكافحة التهديدات الأمنية كالإرهاب. والتحدي الذي يواجه أي دولة هو إيجاد نوع من التوازن بين الحريات المدنية والحفاظ على الأمن الوطني. فالتوازن في رأيي يجب أن يصب في مصلحة حماية حريات المواطن الأساسية. فإن أفضل رد على التهديدات الأمنية كالأنشطة الإرهابية هو بالمحافظة على القيم والحقوق والحريات المدنية.

afansary@yahoo.com